الخميس، 1 أكتوبر 2015

الأحوال التنزيلية










واضح أن مراعاة هذه الأحوال الثلاثة في صياغة الجملة _



عدم التوكيد لخالي الذهن والتوكيد للمتردد الشاك والمنكر حسب إنكاره أمر يجري على الأصل ويوافق ما يقتضي ظاهر حال الخاطب. 
وقد ينزل المنكر منزلة غير المنكر لعدم الاعتداد بإنكاره لأنه ليس له دليل عليه , ولو أنصف ونظر نظرة متأنية لعدل عن هذا الإنكار. 
وقد ينزل غير المنكر إذا بدأ عليه شيء من أمارات الأنكار فيخاطب بأسلوب التوكيد في الأمر الذي لا ينكره .












شواهد الأحوال التنزيلية .

يقول ابن المفقع: (لا تكونن نزر الكلام والسلام ولا تفرطن بالهشاشة والبشاشة ,فإن إحداهما من الكبر ,والأخرى من السخف)

الشاهد (فإن) توكيد ,المتكلم (أبن المفقع) ,المخاطب (الناس)

تنزيل المخاطب منزلة المتردد الشاك.
فإن أحدهما من الكبر جاء مؤكد لأنه تعليل لهذا النصح وكأنه حين نهى عن النزر في القول والأفراط في الهشاشة تطلعت النفس المتلقية إلى معرفة سبب ذلك وصارت كأنها مترددة , فأسعفها بهذه الجملة المؤكدة .


قال الحق: (يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم)
الشاهد (إن) توكيد ,المتكلم (الله),المخاطب (الناس)
تنزيل المخاطب منزلة المتردد الشاك.
لما أمر بتقوى الله وحذر عقابه استشرقت الشمس إلى معرفة السبب وكأنها توقعت عقاباً فأردفه بقوله (إن زلزلة الساعة شيء عظيم)


قال الحق: (إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا)
الشاهد (إن) ,المتكلم (الرسول) ,المخاطب (أبو بكر)
تنزيل المخاطب منزلة المتردد الشاك.
لما نهاه عن الحزن استشرفت نفس صاحبه إلى معرفة السبب في هذا النهي لأن الحزن له سلطان على النفوس في مثل هذا الموقف لقوة داعيه فكان النهي عنه أمراً غريباً يحتاج إلى بيان علته فذكر ما يقتلع الخوف والقلق ويبث الرضا واليقين .


قال الحق: (قل أنفقوا طوعا أو كرها لن يتقبل منكم إنكم كنتم فاسقين) 
الشاهد (إنكم) ,المتكلم (الله) ,المخاطب (المنافقين)
تنزيل المخاطب منزلة المتردد الشاك.
لما سوى بين إنفاقهم طائعين وإنفاقهم مكرهين فأن كليهما مردود عند الله تطلعت النفس إلى معرفة علة هذا الموقف الغاضب .


قال الحق: (يسبح لله ما في السموات وما في الأرض الملك القدوس العزيز الحكيم)
ابتدائي ,المتكلم (الله) ,المخاطب (الناس) 
تنزيل المخاطب المنكر منزلة غير المنكر.
لا تجد في هذا الخبر العظيم الذي يفيد أن كل ما في السموات والأرض من ناطق وصامت وجبال وبحار يسبح للملك القدوس , هذا خبر يرج النفوس ثم هو منكور عند الجاحدين , ولكن القران لم يعبأ لهذا , وساق الحقيقة الضخمة في هذا الهدوء الواثق الحكيم .


قال الحق: (له ملك السموات والأرض والى الله ترجع الأمور) 
وقولة تعالى ( محمد رسول الله )
ابتدائي ,المتكلم (الله) ,المخاطب (الناس)
تنزيل المخاطب المنكر منزلة غير المنكر 
القران يسوقها كما ترى ولها في هذا المساق سلطان غالب عند من يحسنون الإصغاء إلى الكلمة والبلاغيون يذكرون من أمثلة هذا الوجه قولك لمن ينكر الإسلام (الاسلام حق من غير توكيد , لأنك ترفض إنكاره حيث لم يكن لديه دليل عليه , ولأن بين يديه من الأدلة ما أن تأملها رجع عن هذا الإنكار , وهذا من الكلام الحلو)


وقال الحق: ( ذلك الكتاب لا ريب فيه)
ابتدائي , المتكلم (الله) , المخاطب (المؤمنين)
تنزيل المخاطب المنكر منزلة غير منكر.
لأن هذا حقيقة أعنى نفي الريب عن كتاب الله ينكرها كثير من المعاندين , ولكن القران لم يعتبر هذا الإنكار .


وتملك أنفس الثقلين طرا       فكيف تحوز أنفسها كلاب ؟
الشاهد (وتملك أنفس) ,المتكلم (المتنبئ) ,المخاطب (الناس) 
تنزيل المخاطب المنكر منزلة غير المنكر. 
يعبر عن ملك سيف الدولة لأرواح الإنس والجن بهذا الأسلوب المرسل من التوكيد فيوهم أنها حقيقة مقررة لا ينكرها أحد فكيف يسوقها في صيغة التوكيد؟



متى تأته تعشوا إلى ضوء ناره        تجد خير نارٍ عندها خير موقد
الشاهد (خير نار ,خير موقد) ,المتكلم (الأعشى) ,المخاطب (الناس)
تنزيل المخاطب المنكر منزلة غير منكر.
البيت الأخير يجعل الممدوح خير أهل الأرض من غير تقرير واهتمام , وهذا كثير جداً.


جاء شقيق عارضا رمحه           إن بني عمك فيهم رماح 
الشاهد (إن) ,المتكلم (شقيق) ,المخاطب (المهلل الكلبي)
تنزيل المخاطب غير المنكر منزلة المنكر.
الشاعر لما رأى شقيقاً قد أقبل غير مكترث بالقوم لأنه جاء عارضاً رمحه أي واضعه على عرضه وجاعله على فخذه غير متهيء للقاء اعتبره الشاعر منكراً لقوتهم وسلاحهم لأن هيئته هيئة المنكر وأن كان في حقيقته غير منكر .


قال الحق: (فإنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء)
الشاهد (فإنك) ,المتكلم (الله) , المخاطب (الرسول)
تنزيل المخاطب غير منكر منزلة المنكر.

لا ينكر أنه لا يستطيع إسماع الصم , ولكن الأسلوب جاء بالتوكيد تنزيلاً له منزلة المنكر لهذه الحقيقة والمعتقد أنه قادر على إسماع الصم, وذلك لمبالغته في الإلحاح عليهم بالدعوة 




____________________________________






الشواهد :

1/ إنا لنضرب رأس كل قبيلة       وأبوك خلف أتانه يتقمل

المتكلم: الفرزدق     المخاطب: جرير   المقام: الفخر

الشرح:
قول الشاعر ( إنا لنضرب رأس كل قبيلة  )، لا يصح أن يقال إنه فيه ملاحظ حال المخاطب لأن ذلك ضعف في المعنى من حيث يبين أن هذه الحقيقة في تصور الشاعر يمكن أن تنكر وأنه في حاجة إلى توكيدها عند من يلقيها إليه ، والأنسب في هذا التوكيد أن الشاعر صاغه كما أحسه مؤكدا مقررا ، وانظر إلى قوله ( وأبوك خلف أتانه يتقمل ) وكيف واجه جريرا بما ينكره  أشد  الإنكار بهذا الأسلوب الخالي من التوكيد الموهم أنها حقيقة لا ينبغي لجرير أن ينكرها .


2/ إنا لنرخص يوم الروع أنفسنا       ولو نسام بها في الأمن أغلينا 
  3/ إنا لمن معشر أفنى أوائلهم        قيل الكماة ألا أين المحامون  


القائل: نهشل المازني     المقام: الفخر

الشرح:
هنا يصوغ الشاعر معانيه كما تحسها نفسه مراعيا حال هذه النفس ، وبالتالي فإن التوكيد مراعي لحال المتكلم وليس المخاطب فيقول في البيت الأول: نحن قوم سعداء وأنفسنا غالية علينا في الأمن لكن يوم الحرب نقدمها بأرخص الأثمان ، وفي البيت الثاني يقول: نحن معشر أوائلنا فنوا وانتهوا قتلى حرب لكثرة مساعدتهم لأشد فرسانهم في الحروب وذلك أمارة شجاعتهم .


4/ أبني إنك والعزاء معا       بالأمس لف عليكما كفن
   تالله ما تنفك لي شجنا       يمضي الزمان وأنت لي شجن
 5/ وإني وإن متعت بابني بعده      لذاكره ما حنت النيب في نجد

القائل: ابن الرومي     المقام: الرثاء


الشرح:
الشاعر هنا يصوغ نفسه ويؤكد ما يجده فيها مؤكدا و يرسل ما يجده فيها مرسلا لأنه يغني أوجاعه و آلامه غير ناظر إلى المخاطب ، فيقول في البيت الأول: أن عزائي فيك يا بني قد دخل معك ولف عليكما الكفن فلا سبيل للصبر على فقدانك وفراقك ولاحظ أنه ( ينادي ابنه بالهمزة وكأنه قريب على ما هو فيه من البعد وذلك لشدة حزنه وتعلقه به ) ، و في البيت الثاني: يقسم أن الزمان سيمر ويبقى ابنه هو حزنه و ألمه ، ويقول في البيت الثالث وهو من قصيدة أخرى: أنه وإن بقي له أبناء آخرون فهم ليسوا سلوى له وسيذكر ابنه هذا كل ما حنت النوق -وهي دائما تحن- أي أنه سيذكر ابنه دائما وأبدا .



6/ قال الحق: ( ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم )
7/وقوله تعالى:(ربنا إنك تعلم ما نخفي وما نعلن وما يخفى على الله من شيء في الأرض ولا في السماء)

المتكلم: إبراهيم علية السلام       المخاطب: الله عز وجل 

الشرح: هذا التأكيد ينظر فيه إلى حال النفس الراجية ويدل على مدى انفعالها بهذا الرجاء و تأكيدها لهذا الدعاء .



8/ قال الحق: ( وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم )

المتكلم: المنافقين       المخاطب: المؤمنين و المنافقين


الشرح: 
أن من كذب المنافقين وضعف اعتقادهم بالإيمان أتت عبارتهم للمؤمنين ضعيفة وبلا مؤكدات و من قوة اعتقادهم بالكفر أو النفاق وصدقهم في ذلك أتت عبارتهم لشياطينهم –من الإنس والجن- قوية وبمؤكد .


9/ قال الحق: ( إنا نحن نزلنا عليك القرآن تنزيلا
10/ وقوله: ( إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني و أقم الصلاة لذكري )

المتكلم: الله عز وجل       المخاطب: الرسول صلى الله عليه وسلم 

الشرح: 
داعي التوكيد هنا هو رغبة المتكلم في تقوية مضمون الكلام عند المخاطب وحرصه على تقريره في نفسه و إن كان غير منكر له .

11/ قال ابن المقفع: " اعلم أن رأيك لا يتسع لكل شيء ففرغه للمهم و أن مالك لا يغني الناس كلهم فاختص به ذوي الحقوق "

المتكلم: ابن المقفع       المخاطب: الناس

الشرح: 
قد يكون داعي التوكيد هو رغبة المتكلم في تقوية مضمون الكلام عند المخاطب وتقريره في نفسه وإن كان غير منكر له وتجد هذه الخصوصية تشيع في الأساليب التعليمية سواء كانت أدبية أو علمية , فنقول : إن بحث التوكيد من البحوث الدقيقة , و أنه لذو فوائد جمة و أنه لجدير بجد وجهد وابن المقفع يكثر من هذا الأسلوب في أدبه الموجه أو أساليبه الأدبية , و هنا ينصح ابن المقفع بأن لا يكثر أحدنا مشاغله لأن ذلك سيفرق همه والأفضل أن يخصص همه للمهم ، ويذكر أيضا أن المال لن يكفي الناس كلهم فالأفضل أن يكون لأهل الحقوق من الوالدين والأقربين وأهل الزكاة .

12/ قال الحق: ( إن الله يدافع عن الذين آمنوا )
 13/ وقوله: ( إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون )

المتكلم: الله عز وجل       المخاطب: المؤمنين

الشرح:
هنا مقام وعد وهو من المقامات التي يأتي فيها التوكيد لتزداد النفوس به يقينا و اطمئنانا.

14/ قال الحق: ( قال رب إن قومي كذبون )
15/ وقال عز وجل: ( رب إني وضعتها أنثى )

المتكلم: نوح عيه السلام – أم مريم عليها السلام       المخاطب: الله عز وجل

الشرح:
 هنا يكون التوكيد لمجيء الخبر خلافا لما ترجوا النفس وكأن نفس المتكلم تنكره فيؤكده لها ،    ولغرابة الخبر وحرص المتكلم على أن يؤنس به نفس المخاطب و إن كانت لا تنكره .

16/ قال الحق: ( الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون )

المتكلم: الله عز وجل       المخاطب: الذين أصابتهم مصيبة

الشرح:

التوكيد هنا إظهارا لمعتقد النفس و إبرازا له لتزداد النفس يقينا به لأن المصيبة قد تقلق النفس وتهز اليقين وعندئذ تلوذ النفس المؤمنة بكينونتها لله ورجعتها إليه فتعلن ذلك و تؤكده لتثبت في مواجهة الشدة .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق