الأحد، 13 ديسمبر 2015

{ المسند اليه باسم الإشارة }















أولا: يكون تعريف المسند إليه باسم الإشارة لتمييزه أكمل تمييز فاسم الإشارة بطبيعة دلالته يحدد المراد منه تحديدا ظاهرا ويميزه تمييزا كاشفا، وهذا التحديد قد يكون مقصدا مهما للمتكلم لأنه حين يكون معنيا بالحكم على المسند إليه بخبر ما فإن تمييز المسند إليه تمييزا واضحا يمنح الخبر مزيدا من القوة.

الشاهد الأول:
هذا أبو الصقر فردا في محاسنه   من نسل شيبان بين الضال والسلم 
الشرح :
نجد الشاعر لما أراد وصف الممدوح بتفرده في المحاسن ذكره باسم الإشارة ليميزه ويحدده ويقضي له بهذا الوصف بعد هذا التمييز الواضح .
الشاهد الثاني :
هـذا ابـن خـير عـباد الله كـلـهـم هذا التقى النقي الطاهر العلم 
هذا الذي تعرف البطحاء وطأته والبيت يعرفه والحل والحرم 
الشرح :
تكرر اسم الإشارة في هذه الأبيات كما نرى , والأبيات محتفظة بقوتها وتأثيرها , والتكرار أسلوب حذر لا يسلم من عثراته إلا صادق الموهبة ومع أن اسم الإشارة ضعيف في صنعة الشعر فهو ليس من الكلمات الشعرية لطبيعة دلالته المحددة إلا أن الأبيات هنا ظلت محتفظة بقوتها وتأثيرها، واسم الإشارة هنا في كل موقع من مواقعه يميز المشار إليه أكمل تمييز لتضاف إليه هذه الأوصاف العظام.
ويزيد الإشارة هنا قوة أن هشام بن عبدالملك يتجاهل الممدوح فكأن الشاعر يعارض هذا التجاهل بفيض من الإشارات التي تؤكد ذيوع مناقبه ومآثره.
وقد تخير الفرزدق الإشارة للقريب للإشارة إلى أن الممدوح قريب من العيون والقلوب.
ومما تجدر الإشارة إليه  أن معنى البعد والقرب الكامن في أسماء الإشارة معنى طيّع خاضع لسياق الكلام ما دام الذي يصوغ الأسلوب من ذوي البصر في رياضة التراكيب , فنجد القرب يعطي ألوانا متعددة , وكذلك البعد.

الشاهد الثالث :
قال تعالى "فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون * ومن خفت موازينه فأولئك الذي خسروا أنفسهم في جهنم خالدون " المؤمنون اية 102-103
الشرح:
نجد أن اسم الإشارة يميز في الأولى الذين ثقلت موازينهم ليتقرر الحكم عليهم بأنهم مفلحون.وفي الثانية يميز الذين خفت موازينهم ليتقرر الحكم عليهم بأنهم خسروا انفسهم .
أما الإشارة للبعيد في الآية الأولى فواضح أنه لسمو فلاحهم وبعد منازلهم ، والإشارة للبعيد في الآية الثانية تفيد بعدهم عن الرشد ومنازل الفائزين
 والمسند إليه كان من الممكن أن يدل الكلام عليه لو حذف ولكنه ذكر لزيادة التقرير والإيضاح والذي نقوله في قيمة تعريفه باسم الإشارة لا يخرج عن هذا أي أن ذكره باسم الإشارة ليتقرر الحكم عليه لما في الإشارة من التمييز والوضوح ، فالتقرير كان هنا من طريقين من جهة الذكر والتقريرومن  خصوصية في المذكور .

الشاهد الرابع:
أولئك آبائي فجئنى بمثلهم    إذا جمعتنا يا جرير المجامع 
الشرح:
عرف المسند إليه بالإشارة هنا لتمييزه أكمل تمييز ، كما نجد البعد في المسند إليه مشيرا الى بعد منزلتهم من أن يتطاول إليها مثل جرير فيأتي بمثلهم.

الشاهد الخامس :
تقول ودقت نحرها بيمينها      أبعلى هذا بالرحى المتقاعس .
الشرح :
ففي الإشارة للقريب معنى الاستخفاف , ودنو المنزلة , وأنه لصيق بالتراب متقاعس يطحن بالرحى كما يفعل من لا بلاء له .ولهذا رد عليها الشاعر مشيرا إلى منزلته فقال:
فقلت لها لا تعجبي وتبيني   بلائي إذا التفت علي الفوارس
فأشار الى منزلته في الموقف الصعب .
ثانيا:قد يعظم المعنى في نفس المتكلم حتى يخيل إليه أنه صار شيئا محسا يشار إليه، فيدل عليه باسم الإشارة..وفي هذا ومثله يعطي التعريف باسم الإشارة عطاء جديدا يثري المعنى ويخصب التعبير.
الشاهد السادس:
أبينى أفي يمنى يديك جعلتني فأفرح أم صيرتني في شمالك
أبيت كأني بين شقين من عصا حذار الردى أو خفية من زيالك
تعاللت كي أشجي وما بك علة تريدين قتلي قد ظفرت بذلك .
الشرح :
 يريد ان يعرف في البيت الأول منزلته عند صاحبته والعرب تقول في الشئ إذا كان موضع العناية والاهتمام : هو في يمينه أو تلقاه بيمينه أو أخذه بيمينه.
وإذا كان بالضد من ذلك قالوا : صيره في شماله أي أنه لم يحفل به ولم يجعله في موضع العناية .
ويصور الشاعر في البيت الثاني قلقه الحذر المشغوف خوفا من فراقها .
والشاهد في البيت الثالث في قوله : قد ظفرت بذلك فقد خيل باسم الاشارة أن قتله صار حقيقة مجسدة يشير إليها كما يشار إلى المحسوسات البينة. وفي البعد إشارة إلى أن قتله مما لم يتيسر لمن يبغيه وأنه أمر بعيد ومع هذا قد ظفرت به،
ولو أن الشاعر قال : قد ظفرت به  لما كان التعبير على هذا المستوى من الحسن والقوة لأنه تفوته الإشارة إلى ادعاء ظهور قتله، وأنه مما لم يظفر به من يبتغيه.
الشاهد السابع والثامن :
قال تعالى:{ لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا وقالوا هذا إفك مبين } وقال تعالى في شأن الإفك أيضا:{ ولولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم }سورة النور١٢+١٦
الشرح 
في الآية الأولى قال الحق هذا ولم يقل هو ليبرزه ويحدده ، فيقع الحكم عليه بعد هذا التمييز والتجسيد، وفي ذلك قدر كبير من قوة الحكم وصدق اليقين من أنه إفك مبين. وفي الآية الثانية تأتي الإشارة مرة أخرى لتجسد الحديث الدائر ويتكرر الإخبار عنه بأنه بهتان عظيم، وفي قوله{ ما يكون لنا أن نتكلم بهذا} لا يغني غناءه أن يقال ما يكون لنا أن نتكلم به، لأن في الإشارة معنى أنه لا ينبغي لنا أن نتكلم به وإن أذاعه المرجفون وأصبح حديثا ظاهرا معلنا لأن قوة إشاعته لا تغير أنه باطل.
الشاهد التاسع :
قال تعالى {قالوا أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمبعوثون* لقد وعدنا نحن وآباؤنا هذا من قبل إن هذا إلا أساطير الأولين} سورة المؤمنين آية : 82-83.
الشرح:
أشاروا إلى البعث وهو أمر معنوي بقولهم: {لقد وعدنا نحن وآباؤنا هذا من قبل} فأفادوا بذلك أن القول بالبعث مما هو شائع في أجيالنا شيوعا كأنه به محدد منظور ومع ذلك فنحن نرفضه كما رفضه آباؤنا فكأنهم يوهمون بذلك أن رفضهم كان بعد بحثه والنظر فيه. ثم قالوا:{إن هذا إلا أساطير الأولين} فتجد أنهم ميزوه وأبرزوه مرة ثانية في صورة محسوسة ليتقرر الحكم عليه في زعمهم أنه أساطير الأولين ثم إن هذا الحكم بأنه أساطير الأولين كان كأنه نتيجة بحث ونظر.
ثالثا: ومن أشهر الأغراض التي يذكرها البلاغيون لتعريف المسند إليه باسم الإشارة هو أن تذكرَ أوصافا عديدة للشيء ثم تذكره باسم الإشارة جاعلا ما يترتب على تلك الأوصاف مسندا إلى هذا الاسم , واسم الإشارة هذا يفيد أن ما يرد بعده فالمشار إليه جدير به.
الشاهد العاشر :
قال تعالى {الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الارض أولئك هم الخاسرون } سورة البقرة ٢٧.
الشرح :
نجد أن الآية الكريمة ذكرت هؤلاء القوم وعددت بعض أوصافهم التي تجعلهم أهلا للخبر الوارد بعد اسم الإشارة فهم ينقضون عهد الله ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض , ومن هذه أوصافه جدير بأن يكون من الخاسرين .
الشاهد الحادي عشر:
قال تعالى {هدى للمتقين*الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون * والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون * أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون} 
الشرح :
وصف الحق المتقين هنا بالإيمان بالغيب وهذا أعلى مراتب الإيمان، ثم وصفهم بأنهم يحفظون حق الله فيقيمون الصلاة , كما يحفظون حقوق الفقراء في أموالهم فيؤتون الزكاة , ثم وصفهم بأصالة الخير في معادنهم فهم يؤمنون بما أنزل على الأنبياء , وهكذا رشحتهم هذه الأوصاف وجعلتهم أهلا للفلاح الواقع بعد اسم الإشارة .
الشاهد الثاني عشر :
ولله صــعــلــوك يــســاور هــمــه     ويمضي على الأحداث والدهر مقدما 
فتى طلبات لا يرى الخمص ترحه     ولا شـعــبــة إن نالــها عــد مغــنــما
إذا مــا رأى يوما مكارم أعرضت      تيمم كــــــبراهن ثــــــــــمت صمما
يرى رمحــــــه أو نبلــــــه ومجنه      وذا شطب عضب الضـــريبة مخدما
وأحنـــــــــاد سرج قــــاتر ولجامه      عتــــــــاد أخي هيجا وطرفا مسوما
فـــــــذلك إن يهلــــك فحسنى ثناؤه      وإن عـــــاش لم يقعد ضعيفا مذمما 
الشرح:
فقد وصفت نفسه بأنه أخو هم، وأنه يصارع الأحداث الطاحنة، ويغالب الدهر العنيد القاهر، فلا الأحداث مع عتوها توقف مضيه الجسور، ولا الدهر بجبروته يوهن عزمه الحديد، ثم يذكر أنه فتى طلبات أي صاحب حاجات، وأهداف لا تنقضي عن الشبع، ولا تعبأ بالجوع إنما يكون الشبع مغنمًا، والجوع ترحه عند ذوي الهمم الدانية ، الشاعر يسمو بحاجاته فوق مطالب العيش، ثم يصف نفسه في البيت الثالث بأنه لا يقصد المكرمة المتواضعة، إذا لاحت في الأفق كبرى المكارم، وإنما يتيمم كبراهن، وتلك عزمة الروح السامية المستشعرة معنى التعالي والسيادة، وقوله تيمم كبراهن ثمت صمما أي حدد هدفه ثم جمع عزمته في تصميم قاطع ساعيا نحو أم الفضائل، وفي البيتين الرابع والخامس يذكر سلاحه فيعد الرمح والمجن والنبل والسيف القاطع والخطوط في متنه وسرج فرسه المتمكن من ظهره، ثم يضيف إلي ذلك طرفه المسوم، ثم يقول: فـــــــذلك إن يهلــــك فحسنى ثناؤهأي صاحب هذه الصفات جدير بأن يكون ذا ذكر حسن إذا مات وأن يكون منظورا إليه بالثناء والهمة إذا عاش. 
رابعا:من المزايا البارزة لأسماء الإشارة أنها تعين المتكلم على التركيز والإيجاز.ثم إن هذه الطريقة تكثر في كتاب الله وقد تجد اسم الإشارة في بعض الأحيان يطوي صفحة كاملة من الأوامر والنواهي بل أكثر من صفحة نحو الشاهد التالي.
الشاهد الثالث عشر :
الآيات في سورة الإسراء من قوله تعالى {لا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَخْذُولًا} آية٢٢
وحتى آية ٣٩ عند قوله تعالى:{ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ  مِنَ الْحِكْمَةِ} 
الشرح :

اسم الإشارة فيها يعود على المذكور، ويطوي هذه الأوامر والنواهي الواقعة بين الآيتين وهي كثيرة جدًّا، ويهيئ الكلام لوصف تلك الآداب بأنها من الحكمة، في أسلوب موجز كما ترى، ولولا اسم الإشارة، وما تميز به من شمول الدلالة لما أتيح للأسلوب هذا الإيجاز والتركيز.

هناك تعليق واحد:

  1. ماهو المسنداليه بالاشارة في قوله تعالى* قال ياقوم ارهطي اعز عليكم من الله واتخذتموه
    وراءكم ظهريا أن ربي بما تعملون محيط*

    ردحذف